من هم أهل الله وخاصته؟
من هم أهل الله وخاصته؟
فضل القرآن الكريم
القرآن كلام من له الكمال المطلق، كلام العالمِ بكل شيء والخالق والمالك والمدبر لكل شيء، فهو كامل شامل حق مبين
القرآن هو أشرف كتاب أنزله الله جل جلاله، نزل به أشرف ملك ألا هو ، وفي أشرف شهر ألا هو شهر رمضان، وفي أشرف ليلة ألا هي ليلة القدر، وفي أشرف بقعة على الأرض، ألا هي مكةُ المكرمة، وبأشرف لغة اللغة العربية، وعلى أشرف خلق الله، ألا هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى خير أمة هي أمة خاتم النبيين صلوات ربي وسلامه عليه،الله جل جلاله أنزل القرآن يا أمة القرآن ليكون آية وبرهانًا وليكون منهاجا للأمة وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، وهداية للناس أجمعين.
القرآن عصمة لمن اعتصم به، ونجاة لمن تمسك به، ونور لمن استنار به، وحرز من النار لمن عمل به واتبعه القرآن من عمل به أحبه الله، ومن اعتز به أعزه الله، ومن أكرمه أكرمه الله ومن أعرض عنه وتغافل عنه ولم يرفع به رأساً ولم يجعله في الأمور أساساً، فإنها الخيبة والخسارة والخِذلان،على كل من تمسك بحبل الله المتين ألا هو القرآن وقام به وتلاه حق تلاوته، عليه أن يعلم أنه الربح الذي ليس بعده ربح، والفوز الذي ليس بعده فوز، والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.. عليه أن يعلم أنه استحق الرفعة والشرف والإعزاز والتكريم من العلي الكريم وكل من جافى القرآن وتنكر له وأعرض عنه، عليه أن يعلم أنه سقط قدره وانحطت منزلته من عند العلي القدير حتى ولو كان ذا نسب وشرف وجاه وسلطان في أهله وعشيرته.
إن المكانة والمنزلة التي جعلها الله جل جلاله وأعدها لأهل القرآن الذين يشتغلون به تلاوة وتدبرا وتعلماً وتعليماً وعملاً ودعوة وتطبيقاً لهي من أسمى المنازل، بل أرقى وأعلى وأشرفُ ما يمكن أن ينالَه المسلم بعمل من الأعمال التي يرجوا بها القرب من الله عزوجل.
فأمة الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم من أوصافها أنها خير وأفضل أمة أخرجت للناس، بل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يعلم خيرية أمته وأفضليتها على سائر الأمم، ويعلم خيريةَ وأفضليةَ الصالحين والعابدين من أمته، يجعل هذه الخيرية والأفضلية مخصوصة بالمرتبط والمتمسك بالقرآن، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وفي لفظ آخر: (أن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه).
صاحب القرآن لمكانته وقدره عند رب العالمين مُقدم في أعظم الأمور وأشرفها، مقدم في الصلاة التي هي عماد الدين وأعظمُ العبادات، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله).
وروى مسلم، أن عمر رضي الله عنه سأل عامله على أهل مكة فقال له:من خلفت على أهل مكة قال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال رجل من الموالي، فقال عمر كالمتعجب أو المستنكر، استخلفت عليهم مولى! فقال: إنه قارئ لكتاب الله، وإنه عالمٌ بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيك صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين). يعني:(يرفع بهذا الكتاب): أي بقراءته والعمل به (ويضع به): أي بالإعراض عنه وترك العمل بمقتضاه.
بل صاحب القرآن لشرفه ورفعته مُقدم على غيره حتى في الدفن بعد الموت، أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم يقول:(أيّهم أكثر أخذاً للقرآن، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، ويقول: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة).
أحاديث عن فضل القرآن
ثبت في صحيح ابن حبان عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشروا وأبشروا أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه
بأيديكم فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا)).
عن
عمران بن حصين رضي الله عنه أنه مر على قاص يقرأ، ثم
سأل فاسترجع، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس))).
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها))
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب، وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر، ولا ريح لها)).
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس، قالوا يا رسول الله: من هم، قال: هم أهل القرآن أهل الله وخاصته)).
عن أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة... قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة))).
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها))
نافع بن عبد الحارث لقي عمر رضي الله عنه بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي، فقال: بن أبزي، قال: ومن بن أبزي، قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى، قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض، قال: عمر أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين))
عن بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت))
واجبات حامل القران
أن يكون متخلقاً بأخلاق القرآن، ومتأدباً بآدابه، وأن يلتزم أوامره ويقف عند نواهيه حتى يكون مقيماً لحروفه غير مضيع لحدوده فيصبح مترجماً لهذه الأخلاق والآداب والأوامر إلى واقع عملي يبرهن صدق الالتزام ويبعث على القدوة، يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره: (يجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله، فإن كان تقدم له شيء مما يكره فليبادر التوبة والإنابة وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله، فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره، كما أن له من الأجر ما ليس لغيره).
على حافظ القرآن المبادرة بالقيام بالمهام التي قدمه فيها الشارع على غيره كالإمامة في الصلاة وغيرها إلا أن يوجد غيره، ولا يمتنع ولا يتكاسل عن هذه الأمور؛ لأنه أحق بها من غيره.
ومن تمام فضل الله على حامل القرآن أن يُعلِّم هذا القرآن غيره، وأن يحتسب في إقراء صغار المسلمين وكبارهم، وعليه النصيحة لهم وأن يحثهم على التعليم، وأن يكون تعليمه لهم برفق وتلطف وأن يعفو عن إساءتهم وأن يرحم صغيرهم ويحترم كبيرهم فيحظى بالخيرية في قول النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
وعلى قارئ القرآن أن يتعلم من دين الله ما يجب عليه وكلما ازداد من العلم ازداد من الخير والرفعة عند الله، فإنه يقبح بقارئ القرآن أن يكون جاهلاً بدين الله، ولقد كان العلماء عند السلف من الصحابة والتابعين يسمون (القراء) لأن من قرأ القرآن وتعلمه فهو العالم حقاً.
أن يحذر من احتقار الناس والتكبر عليهم ويرى نفسه خيراً من غيره بل يتواضع ويهضم نفسه، وبخاصة مع الفقراء والمساكين، وأن يتجنب التكبُّر والإعجاب، ويترك الجدال والمراء، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب.
ويجب عليه أن يصون نفسه عن مذلة أهل الدنيا فينال بالقرآن شيئاً من الدنيا أو يتقرب بقراءته أو تأويله إلى أهل الشهوات والزعامات ممن لم يرفعوا بهذا القرآن رأساً، بل الواجب تعظيم القرآن والاعتزاز به، وأنه أكبر نعمة وأعظم ذخر لمن أراد الله والدار الآخرة.
وينبغي له أن يكون عنده من الورع ومن التقوى ما يحجزه عن الوقوع فيما لا تحمده عقباه من المشتبهات والشبهات، وأن يباعد نفسه عن مجالسة البطالين وأهل اللهو والإغراق في أمور الدنيا؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: (ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون)، وقال عبدالله بن عمرو: (لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض ولا يجهل مع من يجهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى).
ويجب أن يكون حامل القرآن بفضل القرآن وعلمه به في المجتمع مأمون الشر مرجو الخير، وأن يسلم الناس من لسانه ويده، وأن يكون بعيداً عن الغلو والجفاء في آن واحد، فهذا هو المسلم حقاً.
وعلى حامل القرآن أن يكون داعية خير في المجتمع بالحكمة والأسلوب المناسب في الأوقات المناسبة وأن يكون القرآن مصدره الأساسي في دعوته وأن يحرك به القلوب ويدعو الناس إليه والعمل بما فيه.
ومن أعظم الواجبات على كل مسلم عموماً وحامل القرآن خصوصاً أن يغضب إذا انتهكت محارم الله أو قصر في واجبات الله فيدعوه ذلك إلى القيام بأمر الله والإنكار على من تعدى حدود الله بالحكمة والأسلوب المناسب كل بحسبه، وكل لى قدر علمه واستطاعته، فيكون بذلك حامل القرآن من المصلحين والساعين إلى نجاة سفينة المجتمع، وكفى بذلك شرفاً.