من بلاغة القران الكريم
من بلاغة القران الكريم
تعريف البلاغة
في اللغة من بلُغ، يبلُغ؛ فهو بليغٌ،
والبليغ عند العرب من فصُح لسانه، وحسُن بيانه، ومن هنا كانت البلاغة تعني حسن البيان وقوّة التأَثير، وعلم البلاغة هو العلم المُختصّ بالمعاني والبيان والبديع، ويقال أيضاً في معناها أنّها مطابقة الكلام لمُقتضى الحال، مع فصاحته،
وقد عرّف أهل التحقيق مصطلح البلاغة بقولهم أنّها الكلام الذي بلغ مقصوده دون إطالةٍ،
وقال آخرون هي البلاغة ما قرُب طرفاه وبعُد منتهاه؛ بمعنى أنّ كلماتٍ موجزةٍ حملت معانٍ عميقةٍ،
ويرى الإمام الجرجاني أنّ البلاغة مُختصّةٌ باللفظ والمعنى، وهي بهذا المفهوم تُشكّل نسيجاً متكاملاً وتداخلاً مُحكم
عدم الملل من سماعه وحسن تقسيم أياته
انظر إلى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قيل يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
وفيها تكرر حرف الميم ستَ عشرةَ مرةً، ومع ذلك لا يشعر القارئ بشئٍ من العسر عند النطق بها، ولا بشئ من الثقل عند سماعها.
ثم انظر إلى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾.
وفيها تكرر حرف القاف عَشْرَ مراتٍ، ولا يكاد القارئ يشعرُ بتوالي هذا الحرف مع شدته وقلقلته، وجهره، واستعلائه، ومع ذلك لايشعر القارئ إلا بسهولة النطق، وسلاسة الألفاظ.
قلة الكلمات وكثرة المعانى
وَحَكَى الْأَصْمَعِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ كَلَامَ جَارِيَةٍ، فَقَالَ لَهَا: "قَاتَلَكِ اللَّهُ مَا أَفْصَحَكِ"!
فَقَالَتْ: أو يعدّ هَذَا فَصَاحَةً بَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾.فَجَمَعَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، وَنَهْيَيْنِ، وَخَبَرَيْنِ، وَبِشَارَتَيْنِ).
وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾
جمع فى ثلاثِ كلماتٍ بين: العنوانِ، والكتابِ، والحاجةِ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.
قال بعض العلماء هذه الآية ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ.. ﴾ من عجائب القرآن لأنها بلفظة ﴿ يَا ﴾ نادت، و: ﴿ أَيُّهَا ﴾ نبَّهت، و: ﴿ النَّمْلُ ﴾ عيَّنت، و: ﴿ ادْخُلُوا ﴾ أمرت، و: ﴿ مَسَاكِنَكُمْ ﴾ نصَّت، و: ﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾ حذَّرت، و: ﴿ سُلَيْمَانُ ﴾ خصت، و: ﴿ وَجُنُودُهُ ﴾ عمَّت، و: ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ اعتذرت.
كل من خاطبهم الله فى القران من الانبياء ذكر لهم قوم
قال تعالى
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59]. (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) [هود: 50]. كذلك فإن سيدنا صالح عليه السلام يقول لقومه: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [هود: 61]... (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 80].. وهكذا
ولكن لم يذكر كلمة قوم مع عيسى عليه السلام
وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة: 72]. ويقول أيضاً: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف: 6]... وهكذا في كل القرآن لا نجد ذكراً لقوم عيسى
ما السر فى ذلك
إن نسبة الإنسان تكون دائماً لأبيه، فالأب ينتمي لقبيلة أو قوم أو بلد.. وكذلك فإن الابن ينتمي لنفس القبيلة أو القوم أو البلد... فسيدنا نوح ينتمي لأب من قومه ولذلك نُسب إليهم، وسيدنا إبراهيم ينتمي لأبيه آزر من قومه فنُسب إلى قومه... وهكذا.. وهنا نتساءل: لمن ينتمي سيدنا المسيح؟ طبعاً لا ينتمي لأي قوم لأنه وُلد يمعجزة وجاء إلى الدنيا من غير أب!! ولذلك من الخطأ أن يقول المسيح لبني إسرائيل: يا قوم!! وكان لابد أن يناديهم بقوله: يا بني إسرائيل.. وهذا ما فعله القرآن.. ولا توجد ولا آية واحدة تشذّ عن هذه القاعدة